خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية ، للدكتور محروس حفظي
خطبة الجمعة القادمة
خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية ، للدكتور محروس حفظي ، بتاريخ 5 ذو الحجة 1444هـ ، الموافق 23 يونيو 2023م.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية.
ولتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية، بصيغة word أضغط هنا.
لتحميل خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م ، للدكتور محروس حفظي بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية ، بصيغة pdf أضغط هنا.
___________________________________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف
عناصر خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية ، للدكتور محروس حفظي :
(1) فضلُ يومِ عرفةَ.
(2) أسبابُ المغفرةِ والعتقِ مِن النارِ يومُ عرفةَ.
(3) فضلُ الأضحيةِ وأهمُّ سننِهَا وآدابِهَا.
ولقراءة خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية ، للدكتور محروس حفظي : كما يلي:
خطبة بعنوان: «فضلُ يومِ عرفةَ، وسنةُ الأضحيةِ»
بتاريخ 5 ذو الحجة 1444 هـ = الموافق 23 يونيو 2023 م
الحمدُ للهِ حمدًا يُوافِي نعمَهُ، ويُكافِىءُ مزيدَهُ، لك الحمدُ كما ينبغِي لجلالِ وجهِكَ، ولعظيمِ سلطانِكَ، والصلاةُ والسلامُ الأتمانِ الأكملانِ على سيدِنَا مُحمدٍ ﷺ ، أمّا بعدُ ،،،
العنصر الأول من خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية
(1) فضلُ يومِ عرفةَ:
يجودُ اللهُ – عزّ وجلّ – على عبادهِ يومَ عرفةَ جودًا عظيمًا حتى يُرى فيه إبليسُ أحقرَ ما يكونُ بسببِ ما يرَى مِن تنزُّلِ الرحماتِ، وفيضِ المكرُماتِ مِن ربِّنَا جلّ وعلا، وفضلُ يومِ عرفةَ الذي يستقبلهُ المسلمون بعدَ بضعةِ أيامٍ ليس خاصًّا بأهلِ الموقفِ في عرفةَ، بل إنّ فضلَهُ يشملُ عبادَ اللهِ في أرجاءِ الدنيا، ولذلك ينبغي للمسلمِ أنْ يتعرَّضَ فيه للمغفرةِ؛ لأنّ أكثرَ ما يعتقُ اللهُ فيها مِن النار، وهو مِن أعظمِ أيامِ الدنيا؛ لأنّهُ يومُ مغفرةِ الذنوبِ، والتجاوزِ عنها، ويومُ المُباهاةِ، فعن عَائِشَةَ قالت قال رَسُولُ اللهِ ﷺ: «مَا مِنْ يَوْمٍ أَكْثَرَ مِنْ أَنْ يُعْتِقَ اللهُ فِيهِ عَبْدًا مِنَ النَّارِ، مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَإِنَّهُ لَيَدْنُو، ثُمَّ يُبَاهِي بِهِمِ الْمَلَائِكَةَ، فَيَقُولُ: مَا أَرَادَ هَؤُلَاءِ؟» (مسلم) .
العنصر الثاني من خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية
(2) أسبابُ المغفرةِ والعتقِ مِن النارِ يومُ عرفةَ:
أولًا: حفظُ الجوارحِ ظاهرًا وباطنًا: يُستحبُّ في يومِ عرفةَ حفظُ الجوارحِ مِن المحرماتِ، وعدمُ الاسترسالِ في الموبقاتِ، فعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ الْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفَ النَّبِيِّ ﷺ مِنْ عَرَفَةَ فَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ النِّسَاءَ وَيَنْظُرُ إِلَيْهِنَّ وَجَعَلَ ﷺ يَصْرِفُ وَجْهَهُ بِيَدِهِ مِنْ خَلْفِهِ وَجَعَلَ الْفَتَى يُلَاحِظُ إِلَيْهِنَّ. فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ ﷺ: «ابْنَ أَخِي إِنَّ هَذَا يَوْمٌ مَنْ مَلَكَ فِيهِ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَلِسَانَهُ غُفِرَ لَهُ» (أحمد، وسنده صحيح)، ومِن أعظمِ ما تقرَّبَ به العبدُ إلى مولاه في يومِ عرفةَ أداءُ الفرائضِ على الوجهِ الأكملِ التي تنعكسُ آثارُهَا عليه سلوكًا وعملًا ففي الحديثِ القدسِي: “وَمَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ عَبْدِي بِشَيْءٍ أَحَبَّ إِلَيَّ مِمَّا افْتَرَضْتُ عَلَيْهِ” (البخاري) .
ثانيًا: الإكثارُ مِن ذكرِ اللهِ تعالى، وكثرةُ الدعاءِ والتضرع: يُستحبُّ في يومِ عرفةَ الإكثارُ مِن ذكرِ اللهِ تعالى، والإلحاحِ في الدعاءِ فإنّه يُرجى فيه إجابةُ السؤالِ عندَ اللهِ جلّ وعلا؛ قال سيدُنَا عليٌّ بنُ أبي طالبٍ رضي الله عنه: “ليس في الأرضِ يومٌ إلّا للهِ فيهِ عُتقاءُ مِن النار، وليس يومُ أكثرُ مِن أنْ يعتقَ اللهُ فيه رقابًا مِن يومِ عرفةَ، فأكثِرْ أنْ تقولَ فيهِ: اللهم أعتقْ رقبتِي مِن النارِ، وأوسعْ لي مِن الرزقِ الحلالِ، واصرفْ عنّي فَسَقَةَ الجنِّ والإنسِ، فإنّهُ عامةُ دعائِي في ذلك اليومِ”.
وأجمعُ الدعاءِ وأعظمهُ ما جاء عن سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ حيثُ قالَ ﷺ: “خَيْرُ الدُّعَاءِ دُعَاءُ يَوْمِ عَرَفَةَ، وَخَيْرُ مَا قُلْتُ أَنَا وَالنَّبِيُّونَ مِنْ قَبْلِي: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ المُلْكُ وَلَهُ الحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ”(الترمذي وحسنه)، فتحقيقُ كلمةِ التوحيدِ وفقهِهَا والعملِ بمقتضاهَا يحققُ للعبادِ بفضلِ اللهِ – عزّ وجلّ – عتقَ رقابِهِم مِن النار، والنجاحَ والفلاحَ في الدنيا، فعَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ، قَالَ: “مَنْ قَالَ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، عَشْرَ مِرَارٍ كَانَ كَمَنْ أَعْتَقَ أَرْبَعَةَ أَنْفُسٍ مِنْ وَلَدِ إِسْمَاعِيلَ” (مسلم) .
لقد كان بعضُ السلفِ الصالحِ إذا كان يومُ عرفةَ استقرُّوا في المساجدِ، وانقطعُوا عن الدنيا، وعن عراكِهَا وأهلِهَا، وتفرَّغُوا للذكرِ والصلاةِ، وتلاوةِ القرآنِ، فمَن كان يومُهُ كذلك، فهو حَرِيٌّ بأنْ ينالَ هذه المغفرةَ مِن ربِّ العزةِ والجلالِ، ويٌستحبُّ الجهرُ بهذا التكبيرِ، وقد علّقَ البخاريُّ عن ابنِ عمرَ وأبي هريرةَ – رضي الله عنهما – كان يخرجان إلى السوقِ فيكبران، ويكبرُ الناسُ بتكبيرهما، وكان عمرٌ يكبرُ في قبتهِ، فيسمعهُ أهلُ المسجدِ، فيكبرون ويكبرُ أهلُ السوقِ، حتى ترتجَّ مِنَى تكبيرًا، وعن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ، قَالَ: قُلْتُ لِأَنَسِ بْنِ مَالِكٍ: غَدَاةَ عَرَفَةَ: مَا تَقُولُ فِي التَّلْبِيَةِ هَذَا الْيَوْمَ؟ قَالَ: «سِرْتُ هَذَا الْمَسِيرَ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَأَصْحَابِهِ، فَمِنَّا الْمُكَبِّرُ وَمِنَّا الْمُهَلِّلُ، وَلَا يَعِيبُ أَحَدُنَا عَلَى صَاحِبِهِ» (مسلم) .
إنّ المسلمَ إذا طرقَ بابَ اللهِ جلّ وعلا بالدعاءِ، فإنّ اللهَ حييٌّ كريمٌ، يستحِيي أنْ يردَّ يديْ عبدهِ إليهِ صفرًا، فمَا مِن داعٍ يدعُو إلا حُقِّقَ رجاؤهُ سواءٌ كان معجلًا في الدنيا، أو مؤخرًا في الآخرةِ، أو يصرفُ عنه مِن السوءِ بقدرِ ما دعَا، كما ثبتَ بذلك الحديثُ عن سيدِنَا رسولِ اللهِ ﷺ .
ثالثًا: الصيامُ: يُستحبُ صومُ يومِ عرفةَ، فعَنْ أَبِي قَتَادَةَ:«رَجُلٌ أَتَى النَّبِيَّ ﷺ ، فَقَالَ: كَيْفَ تَصُومُ؟ فَغَضِبَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَلَمَّا رَأَى عُمَرُ غَضَبَهُ، قَالَ: رَضِينَا بِاللهِ رَبًّا، وَبِالْإِسْلَامِ دِينًا، وَبِمُحَمَّدٍ نَبِيًّا، نَعُوذُ بِاللهِ مِنْ غَضَبِ اللهِ وَغَضَبِ رَسُولِهِ، فَجَعَلَ عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ يُرَدِّدُ هَذَا الْكَلَامَ حَتَّى سَكَنَ غَضَبُهُ… قَالَ: «صِيَامُ يَوْمِ عَرَفَةَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ، وَالسَّنَةَ الَّتِي بَعْدَهُ، وَصِيَامُ يَوْمِ عَاشُورَاءَ، أَحْتَسِبُ عَلَى اللهِ أَنْ يُكَفِّرَ السَّنَةَ الَّتِي قَبْلَهُ» (مسلم)، فانظرْ أخي الحبيب إلى سعةِ رحمةِ اللهِ، وفيضِ جودهِ وكرمهِ، أنْ جعلَ صيامَ يومٍ واحدٍ سببًا لمغفرةِ ذنوبِ سنتينِ مِن الصغائرِ، أمّا الكبائرُ فتحتاجُ إلى توبةٍ وندمٍ وعزمٍ على عدمِ العودةِ إليها أبدًا وإقلاعٍ عن المعصيةِ، وردِّ الحقوقِ إلى أصحابِهَا، والتحللِ مِمَّن ظلمَهُ، فلا تحرمْ نفسَكَ مِن صيامِ يومِ عرفةَ لِمَا فيهِ مِن عظيمِ الأجرِ وجزيلِ المثوبةِ.
العنصر الثالث من خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية
(3) فضلُ الأضحيةِ وأهمُّ سننِهَا وآدابِهَا:
الأصلُ في الأضحيةِ أنّها سنةٌ مؤكدةٌ في حقِّ الموسرِ، وفي حالِ العجزِ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾، وهي مِن الشعائرِ التي يتقربُ بها المسلمُ إلى ربِّهِ، لذا لا يجزىءُ في الأضحيةِ إلّا الذبح، سواءٌ تولّاهُ المضحِّي بنفسهِ أم أنابَ غيرَهُ عنه، والذبحُ أولًى مِن شراءِ اللحمِ وتوزيعهِ؛ لأنّ مقصدَ الأضحيةِ تحقيقُ التقوى، والخضوعُ والانقيادُ للهِ سبحانه، وإظهارُ شكرِ النعمةِ لهُ ﴿لَنْ يَنالَ اللَّهَ لُحُومُها وَلا دِماؤُها وَلكِنْ يَنالُهُ التَّقْوى مِنْكُمْ كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَبَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ﴾، ولأنَّ الأضحيةَ نسكٌ لا بدَّ فيها مِن استحضارِ النيةِ عندَ الذبحِ، واللحمُ المُشْتَرَى لا تصحبهُ هذه النيةُ، كما أنّ الأضحيةَ فيها تعظيمٌ لشعائرِ اللهِ تعالى، وإحياءُ مآثرِ الأنبياءِ عليهم السلام، ولهذا يُغفرُ للمضحِّي بكلِّ شعرةٍ منها وقطرةِ دمٍ، فعَنْ عَائِشَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ قَالَ: «مَا عَمِلَ آدَمِيٌّ مِنْ عَمَلٍ يَوْمَ النَّحْرِ أَحَبَّ إِلَى اللَّهِ مِنْ إِهْرَاقِ الدَّمِ، إِنَّهُ لَيَأْتِي يَوْمَ القِيَامَةِ بِقُرُونِهَا وَأَشْعَارِهَا وَأَظْلَافِهَا، وَأَنَّ الدَّمَ لَيَقَعُ مِنَ اللَّهِ بِمَكَانٍ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ مِنَ الأَرْضِ، فَطِيبُوا بِهَا نَفْسًا» (الترمذي وحسن)، ولأنّ المسلمَ بالأضحيةِ يجمعُ بينَ عبادتينِ التقربُ للهِ بإراقةِ الدمِ، والتصدقُ، ولا شكّ أنّ الجمعَ بين القُرْبَتين أفضل، ولذا كانت الأضحيةُ أفضلَ مِن التصدقِ بثمنِهَا، قالَ النووي: (مَذْهَبُنَا أَنَّ الْأُضْحِيَّةَ أَفْضَلُ مِنْ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ؛ لِلْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ فِي فَضْلِ الْأُضْحِيَّةِ، وَلِأَنَّهَا مُخْتَلَفٌ فِي وُجُوبِهَا بِخِلَافِ صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ، وَلِأَنَّ التَّضْحِيَةَ شِعَارٌ ظَاهِرٌ، وَمِمَّنْ قَالَ بِهَذَا مِن السلفِ ربيعةُ الرأي وأبو الوقادِ وَأَبُو حَنِيفَة) أ.ه .
أمّا شراءُ اللحمِ وتوزيعُهُ يختلفُ عن «صكِّ الأضحيةِ»؛ إذ الأخيرُ تتحققُ به الأضحيةُ، وتجزىءُ عن صاحبِهَا؛ لأنّه يُعدُّ مِن أنواعِ الوكالةِ الجائزةِ لكن بعد التأكدِ مِن صفةِ القائمين عليها، بل يعظمُ مِن النفعِ بها خاصةً لِمَن لا يملكُ آليةَ توزيعِهَا على الوجهِ المرضِي، فمِن خلالِ “الصكوكِ” تصلُ الأضحيةُ إلى مستحقِّيهَا بصورةٍ إنسانيةٍ لا تمتهنُ مِن كرامةِ الإنسانِ أو تنالُ مِن آدميتهِ، ويجبُ على المسلمِ الفَطِنِ الذي يودُّ أنْ تقعَ أضحيتُه على الوجهِ المشروعِ أنْ يكونَ تعاملهُ في ذلك مع جهاتٍ مشهودّ لها بالنزاهةِ والشفافيةِ تتبعُ المؤسساتِ الرسيمةَ للدولةِ لا جهاتٍ مجهولةِ المصدر، لأنّ اللهَ – عزّ وجلّ – أمرنَا بأخذِ الحيطةِ والحذرِ فقالَ سبحانه: ﴿يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ﴾ .
تابع / خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية
ومما ينبغَي التنبِيه عليه ما يلي:
أولًا: تجنبُ مِن الأضاحِي ما لا يُجزئُ: قال صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:”أَرْبَعٌ لَا يَجُزْنَ الْعَوْرَاءُ: الْبَيِّنُ عَوَرُهَا، وَالْمَرِيضَةُ الْبَيِّنُ مَرَضُهَا، وَالْعَرْجَاءُ الْبَيِّنُ ظَلْعُهَا، وَالْكَسِيرَةُ الَّتِي لَا تُنْقِي” (ابن ماجه)، وعلى هذا تُجزئُ الأضحيةُ إذا كانت مقطوعةَ الأذنِ، ومكسورةَ القرنِ، وما ذهبتْ أسنانُهَا، إلّا أنْ تكونَ كبيرةً لا مُخَّ فيها، وتُجزئُ مقطوعةُ الذَّنَبِ مِن الإبلِ والبقرِ والغنمِ، وكلما كانت أكمل، كان ذلك أفضل .
ثانيًا: كيفيةُ تقسيمِ الأضحيةِ: المستقرىءُ لنصوصِ القرآنِ والسنةِ يجد أنّهما لم ينصَّا صراحةً على كيفيةِ تقسيمِ الأضحيةٍ، فالله لم يُحدد سبحانه ما يأخذه منها صاحبها، وما يعطيه للفقراءِ والمحتاجين، وإنّما أمرَ بالأكلٍ منها، والتصدقِ منها على جهةِ الإجمالِ، قالَ سبحانه:﴿فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْبَائِسَ الْفَقِيرَ﴾، وقال: ﴿فَكُلُوا مِنْها وَأَطْعِمُوا الْقانِعَ وَالْمُعْتَرَّ﴾، ومِن هنا لم تتفقْ كلمةُ المذاهبِ الفقهيةِ على كيفيةِ هذا التقسيمِ، ولذا قال السادةُ المالكيةُ: بعدمِ وجودِ قسمةٍ معينةٍ في توزيعِ الأضحيةِ، فللمُضحِّي مطلقُ التصرفِ في توزيعِهَا، لكن يُستحبُّ تقسيمُهَا ثلاثةَ أجزاءٍ:«للفقراءِ – للإهداءِ – للمضحِّي نفسه»، وهو مذهبُ السادةِ الأحنافِ والحنابلةِ، حيثّ صَحَّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا فِي صِفَةِ أُضْحِيَّةِ النَّبِيِّ ﷺ قَال: «وَيُطْعِمُ أَهْل بَيْتِهِ الثُّلُثَ، وَيُطْعِمُ فُقَرَاءَ جِيرَانِهِ الثُّلُثَ، وَيَتَصَدَّقُ عَلَى السُّؤَال بِالثُّلُثِ» والمتأملُ في هذا التقسيمِ يجدُ أنّه راعى تحقيقَ العدلِ والتراضِي، وتعميمَ التكافلِ لجميعِ أفرادِ المجتمعِ بحيثُ لا يُحرمُ أحدٌ مِن الأكلِ منها فتأملْ وتنبهُ، ولو تَصَدَّقَ المُضحِّي بالكلِّ جازَ، وكذا لو حبسَ الكلَّ لنفسهِ؛ لأنَّ الْقُرْبَةَ في إراقةِ الدمِ، لكنّ التصدقَ بها أفضلُ مِن ادخارِهَا إلّا أنْ يكونَ الْمُضَحِّي غيرَ مُوسِرِ الحالِ، فالأنسبُ له حينئذٍ أنْ يدخرَ لعيالهِ توسعةً عليهم؛ لأنّ حاجتَهُ وحاجةَ أولادهِ مقدمةٌ على غيرهِم لقولهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:«ابْدَأْ بِنَفْسِكَ فَتَصَدَّقْ عَلَيْهَا، فَإِنْ فَضَلَ شَيْءٌ فَلِأَهْلِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ أَهْلِكَ شَيْءٌ فَلِذِي قَرَابَتِكَ، فَإِنْ فَضَلَ عَنْ ذِي قَرَابَتِكَ شَيْءٌ فَهَكَذَا وَهَكَذَا» (مسلم)، وهذا مِن يسرِ الشريعةِ ومرونتِهَا؛ إذ الفتوَى تتغيرُ بتغيرِ الأحوالِ والأشخاصِ.
ثالثًا: الالتزامُ بالإجرءاتِ والتدابيرِ الصحيةِ في إجراءِ عمليةِ الذبحِ: كما يجبُ على المُضحِّي الالتزامُ بالذبحِ في الأماكنِ المعدةِ والمجهزةِ لذلك، لِمَا فيهِ مِن رعايةٍ للمصلحةِ العامةِ والخاصةِ؛ إذ الذبحُ في الشارعِ أو الطريقِ العام يتسببُ في إيذاءِ الناسِ، ونشرِ الأوبئةِ، ونقلِ الجراثيمِ، وانبعاثِ الروائحِ الكريهةِ، والقاعدةُ النبويةُ تنصُّ على أنّهُ «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ»، بل يتركُ هذا في نفوسِ المارةِ صورةً غيرَ مرضيةِ، ويعكسُ انطباعًا سيئًا عمَّن يؤدِّي تلك الشعيرةَ مع أنّ ديننَا دينُ النظافةِ والطهارةِ، والبعدِ عن القذارةِ؛ لذا تجنبًا لهذا وعملًا بقاعدةِ «سَد الذرَائِع»، وإحقاقًا لآدابِ الطريقِ، وجبَ على المسلمِ أنُ يتقيدَ بضوابطِ الذبحِ التي تضعُهَا الجهاتُ المختصةُ والقائمةُ على تنفيذِ هذا الأمرِ حتى ينأَى المُضحِّي عما يكدرُ عيشَ الآخرين، أو يُؤذِي مشاعرَهُم، أو يثيرُ اشمئزازَهُم، وهذا مقصدٌ حضاريٌّ حثَّنَا عليهِ دينُنَا الحنيفُ.
تابع / خطبة الجمعة القادمة 23 يونيو 2023 م بعنوان : فضل يوم عرفة وسنة الأضحية
ومَن لم يستطعْ الأضحيةَ هذا العام ولم يجدْ سعةً بسببِ عذرٍ خارجٍ عن إرادتهِ فليعلمْ أنِّ نيةَ المرءِ – أحيانًا – قد تكونُ أفضلَ مِن عملهِ، فقد يضحِّي العبدُ ولا يقبلُ منهُ بسببِ سوءِ نيتهِ، أو شبهةٍ في مالِه، ولذا صدَّرَ الإمامُ البُخاريُّ كتابَهُ: «الجامع الصحيح» بحديثِ «إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإنما لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»، فعلى النيةِ مدارُ قبولِ العملِ أو ردّهِ، فإذا كانت الأضحيةُ قد فاتتكَ هذا العام، فإنّ أفعالَ الخيرِ كثيرةٌ، ووجوهَ البرِّ متعددةٌ، فلا تفوتكَ كي تلحقَ بركبِ مَن عملَ صالحًا وصبرَ، فقَبِلَ اللهُ منه عملَهُ وغفرَ له، وأقولُ أيضًا لمَن عجزَ عن تلك الشعيرةِ لا تحزن،؛ لأنّ نبيَّكَ ﷺ قد ضحَّى عنك، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ ﷺ ضَحَّى بِكَبْشٍ أَقْرَنَ، وَقَالَ: «هَذَا عَنِّي، وَعَمَّنْ لَمْ يُضَحِّ مِنْ أُمَّتِي» (أحمد).
نسألُ اللهَ أنْ يرزقنَا حسنَ العملِ، وفضلَ القبولِ، إنّه أكرمُ مسؤولٍ، وأعظمُ مأمولٍ، الَّلهُمَّ أَوْرِدْنَا حَوْضَهُ، وَاحْشُرْنَا فِي زُمْرَتِهُ، وَأَنِلْنَا شَفَاعَتَهُ، وَاجْعَلْنَا فِي الجَنَّةِ بِجِوَارِهِ ﷺ، واجعلْ بلدَنَا مِصْرَ سخاءً رخاءً، أمنًا أمانًا، سلمًا سلامًا وسائرَ بلادِ العالمين، ووفقْ ولاةَ أُمورِنَا لِمَا فيهِ نفعُ البلادِ والعبادِ.
كتبه: د / محروس رمضان حفظي عبد العال
مدرس التفسير وعلوم القرآن – كلية أصول الدين والدعوة – أسيوط
_____________________________________
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة القادمة
للإطلاع علي قسم خطبة الجمعة باللغات
وللإطلاع ومتابعة قسم خطبة الأسبوع و خطبة الجمعة القادمة
وللمزيد عن أسئلة امتحانات وزارة الأوقاف